بعد عناء الحمل وطول انتظار، ها هو الحلم المرتقب والمنشود يصبح واقعًا، ويحلّ على كوكب العائلة الصغيرة ضيفٌ جديدٌ بعالمه، وحلمه، ونجاحه، وإخفاقه. في الأسابيع الأولى، لا يجد الأهل برهة تغفل فيها أعينهم عن وضعيّته، ونفسيّته، وشعوره، حتى أنّهم يُشاطرونه أحلامه الورديّة. لكن، لحظه! ثمّة سؤال، ويتبعه سؤال، وسؤال، وسؤال! لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ يعتري الأهل وابل من القلق.
قد يطرح الأهل القَلِقون أسئلة كثيرة، من بينها:
لماذا يفزع الطفل من الصوت العالي، أو من لمسة فجائيّة، أو حتّى عند وضعه على السرير؟
هذا ردّ فعل طبيعيّ، حيث إنّ الطفل يبسط ذراعيه وقدميه سريعًا، ومن ثمّ يثنيهم مرّة أخرى في وضعٍ أشبه بالوضع الجنينيّ. في الحقيقة، ردّ الفعل هذا هو من الأمور التي يختبرها الأطبّاء أثناء الكشف الطبّيّ الروتينيّ بعد الولادة مباشرةً، وذلك للتأكُّد من استجابة الطفل، ومن أنّه لا يعاني من مشكلة في جهازه العصبيّ. تختفي ردة الفعل الأوليّة هذه تدريجيًّا بعد الشهر الخامس أو السادس، وذلك عند نضوج قدرة الطفل العضليّة وإحكام سيطرته على الحركة اللاإراديّة.
لماذا يُمعن الطفل النظر إلى جهة واحدة دون الأخرى؟
يكون الحديث هنا غالبًا ما يُسمّى بالصَّعَر (Torticollis)، حيث نجد غالبًا أنّ رأس الطفل ملتفّ نحو جهة واحدة، رغم وجود محفّزات في الجهة الأخرى. يعود هذا إلى عدّة عوامل، أهمّها وضعيّة الجنين عندما كان في رحم الأم. ولكن، ثمّة عوامل أخرى مثل عسر في الولادة، أو عادات مكتسبة أخرى كطريقة النوم، أو وضع محفّزات بصريّة أو سمعيّة من جهة واحدة فقط.
هناك أسباب أخرى واردة في هذا السياق، كالإصابة في الرأس أو الرقبة، واضطرابات في الجهاز العصبيّ، وحَوَل في النظر يجعل الطفل ينظر إلى ناحية معيّنة لتركيز النظر، أو عوامل صحّيّة أخرى، وهنا تكمن أهميّة الفحص المهنيّ لدى المختصّين.
يأكل طفلي البالغ من العمر ثلاثة أسابيع جيّدًا، وحركته قويّة، لكنّه لا يدقّق النظر بي حتّى عند الرضاعة...
يقتصر تركيز النظر عند حديثي الولادة على الأشياء التي تتواجد على بُعدٍ لا يتعدّى عشر سنتيمترات، ويزداد المدى مع تقدّم الوقت. في جيل ثمانية أسابيع، يبدأ الطفل بتركيز نظره على وجه والديه، وفي عمر ثلاثة شهور يبدأ برصد التحرّكات من حوله ويتابعها بنظره، وهكذا يتطوّر التواصل البصريّ تدريجيًّا. في جيل 9-12 شهر، ينجح الطفل بمتابعة حركة عينيّ شريكه المقابل، وهكذا يستوعب أنّ عينيه هي أداة رصد التحرّكات من حوله.
لعدم الوقوع في خانة اللامبالاة، ولضرورة التوجّه لمعاينة طبّيّة، نذكر فيما يلي بعض العلامات التي قد تُنبِئ بوجود مشاكل تطوّر، أهمّها:
- عدم تناسق واضح في البنية الجسديّة للطفل.
- عدم توافق أو قلّة تناسق في الحركة العفويّة للأطراف، كقلّة الحركة في طرفٍ ما، أو ربّما في عدّة أطراف.
- تشنّج عضليّ وصعوبة في حركة المفاصل، وبالتالي، صعوبة في تحريك الأعضاء باتّجاهات مختلفة.
- ضعف في العضلات، كعدم قدرة الطفل على رفع رأسه في وضعيّة النوم على البطن، عدم رغبة الطفل ببذل أيّ مجهود للحصول على مراده، وغيرها.
- تأخّر واضح في المراحل التطوّريّة على أنواعها، سواءً كانت حسّيّة، حركيّة، أو كلّ ما يتعلّق بالتواصل الكلاميّ
- اضطرابات في الأكل.
- عدم الاستجابة للنداءات المتكرّرة، أو عدم الاكتراث بالمحفّزات الخارجيّة المختلفة، إن كانت بصريّة أو سمعيّة.