يعمل الدّماغ بتكاملٍ تامٍّ مع جميع أعضاء الجّسم، ومنها الأعضاء الحسّيّة، كالفم، والأذنين، والعينين، والأنف، والجلد. يأخذ الدماغ المُدخل الحسّيّ، ويعالجه ويفسّره ويترجمه، ومن ثمّ يرسل أوامر لأعضاء الجسم المختلفة كمُخرَجات حسّيّة تبعًا للمُدخَلات، سواءً كانت مُدخَلات حسّيّة تتعلّق باللمس، أو الحركة، أو الشمّ، أو التذوّق، أو البصر، أو السمع. بالنسبة للدماغ، هذه الأعضاء الحسّيّة مشمولة ومتّصلة أيضًا بالذاكرة والمعرفة والمعلومات الموجودة في الدماغ من تجاربٍ سابقةٍ وقديمةٍ لنفهم ما يدور من حولنا بطريقةٍ أسهل. لدى معظم أطفال اضطراب طيف التوحُّد الذين يعانون من مشاكل حسّيّة، والأطفال الذين يعانون من مشاكل التكامل الحسّيّ، تكون المشكلة في المرحلة الأخيرة، أي ترتيب المُدخَلات الحسّيّة. عندما لا يُدمج المدخل الحسّيّ، ولا يُنظَّم أو يُرتَّب، سيعاني الطفل من مشاكلٍ حسّيّة، خاصّةً في رحلته للتعرُّف على العالم والبيئة المحيطة به. في هذه الحالة، تتمّ رحلة استكشاف العالم بصورةٍ مختلفةٍ كليًّا عمّا تكونه لدى الأفراد السليمين حسّيًّا، إذ أنّ أطفال اضطراب طيف التوحُّد الذين يُعانون من مشاكلٍ حسّيّةٍ لا يحصلون دائمًا على صورةٍ واضحةٍ ودقيقةٍ لجسدهم في الفراغ، ولا لمحيطهم، ومن هنا تنشأ المشاكل الحسّيّة.
هناك ثلاثة أنواع من الحواس؛ الحواس الباطنيّة العامّة المتمثِّلة في الحاجات العضويّة، والحواس الباطنيّة الخاصّة المتمثِّلة في التوتّر العضليّ والحركة والتوازن، والحواس المُستَقبِلة للمنبّهات الخارجيّة المتعلّقة بالبصر، والسمع، والشمّ، واللمس، والتذوّق.
الأفراد الذين لديهم اضطراب طيف التوحُّد يواجهون فرط الحساسيّة، حيث تكون ردود فعلهم أعلى من المعدّل الطبيعيّ، حيث يشعر الفرد عند تعرُّضه لمُدخلٍ حسّيٍّ (كالصوت العالي مثلًا) بضغطٍ نفسيٍّ وجسديٍّ، كما يتشتّت انتباهه، لذا يحاول الفرد تجنُّب المُثيرات الحسّيّة. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لدى الأفراد ذوي اضطراب طيف التوحُّد نقص في الحساسيّة، أي تكون ردود فعلهم أقلّ من المعدّل الطبيعيّ، حيث يشعر الفرد بصعوبةٍ في استقبال المُثيرات الحسّيّة وتفسيرها، فيحاول البحث عن المُثيرات (كإصدار صوت عالٍ مثلًا).
تتمثّل هذه الاضطرابات على شكل سلوكيّات تظهر لدى الأفراد ذوي اضطراب طيف التوحّد الذين يعانون من مشاكل حسّيّة. من الممكن أن تكون هذه السلوكيّات على شكل زيادة بالحركة، كالقفز مثلًا. من الممكن أيضًا أن تظهر على شكل زيادة التحفيز الذاتيّ، كالتصفيق، أو الكلام بسرعة، أو الكلام بصوت مرتفع، أو عدم الكلام على الإطلاق، أو تغطية العين أو الأذن. من الممكن أيضًا أن تظهر سلوكيّات على شكل صعوبة في فهم الأحاسيس الداخليّة، كالشعور بالحاجة للذهاب إلى دورة المياه، أو رفض نوع معيّن من الطعام أو الثياب أو الإصرار على نوع معيّن آخر، أو مضغ الأشياء التي ليست طعامًا، أو لمس الآخرين بشكلٍ متكرّرٍ، أو اللعب بطريقةٍ عنيفةٍ، أو صعوبة بالتواصل، أو الاستجابة. أخيرًا، من الممكن أن تظهر سلوكيّات على شكل فيض المشاعر، أو الرغبة بالهروب من الموقف.
يقوم أخصّائيّ العلاج الوظيفيّ بتقييم الاضطرابات الحسّيّة من حيث فرط أو نقص الأحاسيس، والتدخّل بالاستقلاليّة المتعلّقة بالمهارات الحركيّة الدقيقة والكبيرة، ومهارات التآزر البصريّ، ومهارات ما قبل الكتابة، بالإضافة إلى العناية الشخصيّة. بناءً على ذلك، يتم وضع خطّة علاجيّة قائمة على تحقيق التكامُل الحسّيّ وزيادة الاستقلاليّة لدى الأفراد الذين لديهم اضطراب طيف التوحُّد ويُعانون من مشاكلٍ حسّيّةٍ.
يستخدم أخصّائيّ العلاج الوظيفيّ علاج التكامُل الحسّيّ في الخطة العلاجيّة للمساعدة في القدرة على تنظيم، ودمج، وتفسير المُدخلات الحسّيّة الآتية من الأجهزة الحسّيّة والاستجابة لها بالطريقة الصحيحة، وبالتالي، زيادة القدرة على مواجهة صعوبات التواصل، والمشاركة، والتعلُّم.
تركّز معالجة التكامُل الحسّيّ على تهيئة بيئة تتناسب مع قدرة الفرد وتعزيزها بمُثيرات حسّيّة مختلفة لتحسين قدرة الطفل على التكيُّف، مع البحث عن لغة تواصل مع الفرد حتّى يتمكّن من التعبير عن حاجته أو رفضه لنشاطٍ معيّنٍ، وتوفير أماكن مخصّصة لأنشطة اللعب الحسّيّ وتوفير وسائل مناسبة له، وتثقيف الأشخاص المسؤولين عن الفرد ذو اضطراب طيف التوحُّد.