التدخّل المُبكر وأهميّته في الطفولة المُبكِرة

التشخيص المُبكر:

التشخيص المُبكر هو إجراء لتحديد ووصف ومسح دقيق للحالة المرضيّة أو لنوع التأخّر أو الاضطراب، وذلك عن طريق استخدام أدوات وإجراءات معيّنة يستخدمها أطباء ومختصّون في مجال الطفولة المبكرة بهدف الحصول على معلوماتٍ دقيقةٍ تصف الحالة وصفًا دقيقًا يُمَكّن من تفسيرها وتحليلها إجرائيًّا.

خلال العمل والتشخيص المُبكر، يتمّ البحث عن معلوماتٍ من حياة الطفل حول قدراته العقليّة والشخصيّة للكشف عن جوانبها المختلفة، ومن ثمّ توضع خطط وبرامج علاجيّة ملائمة وفقًا لاحتياجات الطفل وقدراته، وتُنفّذ من قبل مختصّين (أطبّاء، فيسيولوجيّين، أخصّائيون نفسيّون واجتماعيّون، معالجو المهن الطبّيّة المُسانِدة، وأخصائيو التربية الخاصّة)، وذلك من أجل الوصول إلى أفضل النتائج العلاجيّة.

يُعدّ التشخيص الدقيق والمُبكِر في الطفولة المُبكِرة لأصحاب الهمم أوّل وأهمّ خطوات النجاح في السيرورة العلاجيّة، ويُعدّ أيضًا وسيلة لتجنّب تفاقم الحالة المرضيّة.

التدخّل المُبكِر: 

التدخّل المُبكِر هو عمليّة تقديم خدمات ودعم بعد عمليّة تشخيص ومسح حالة/قدرات الأطفال والرُضّع ممّن هم دون سنّ السادسة، والذين يعانون من تأخّر في النمو، أو معرّضون لخطر التأخّر، أو الإعاقة، أو لحالة صحّيّة/اجتماعيّة قد تؤثّر على نموّهم وتطوّرهم بشكلٍ مثاليٍّ.

يتضمّن التدخّل المُبكِر تقديم رزمة خدمات شاملة للطفل وأسرته بهدف تقليل آثار الإعاقة أو التأخّر في النمو، وذلك من خلال تلبية الاحتياجات المحدّدة للأطفال الصغار عن طريق مجالات تنمويّة تشمل: تطوير مهارات التواصل، النموّ البدنيّ – بما في ذلك البصر والسمع والتطوّر المعرفيّ – والتطوّر الاجتماعيّ، أو العاطفيّ، أو التكيُّفيّ.

تقدّم خدمات التدخّل المُبكِر للرُضّع والأطفال الصغار (دون سن السادسة) الذين يعانون من إعاقة جسديّة أو عقليّة تمّ تشخيصها، والتي من المحتمل أن تؤدّي إلى تأخّرٍ في النمو، بما في ذلك أولئك الذين لديهم حالات خلقيّة أو تطوّريّة؛ مثل الشلل الدماغيّ، متلازمة داون، متلازمة الكحول الجنينيّة، اضطراب طيف التوحُّد، وفقدان السمع. بالإضافة إلى ذلك، تُقدّم خدمات التدخُّل المُبكِر للأطفال الذين أصيبوا بحالات مرضيّة؛ مثل إصابات دماغيّة/إصابات دماغيّة مُكتسبة، أمراض أو مضاعفات ما بعد عمليّات جراحيّة، سوء المعاملة أو الإهمال الطبّيّ، فقدان السمع…

أهميّة التدخّل المُبكِر:

هناك أهميّة كبرى للتدخّل المُبكِر وشخيص الإعاقة مبكرًا قدر الإمكان (مهمّ جدًّا)، وبالتالي تقديم الخدمات مبكرًا أيضًا، ممّا يزيد احتمال أن يطوّر الأطفال مهارات بدنيّة/وظائفيّة/تواصل، كما تزيد احتمال تطوّر اللغة، والأكل، والبلع لتحقيق نتائج إيجابيّة.

تكون فرص تحسُّن الأطفال كبيرة جدًّا عندما يتمّ تقديم خدمات تأهيليّة وعلاجيّة بنفس الوقت الذي يتطوّر فيه الطفل جسديًّا، ولغويًّا، ومعرفيًّا، وعاطفيًّا، وتربويًّا. 

دور الأسرة وتطوير قدرتها على التعامل مع حالة الطفل هو دور مهمّ جدًّا لنجاعة العلاج ونتائجه.

تساهم جميع برامج التدخّل المُبكِر بشكلٍ كبيرٍ في تمكين الأسرة وتطوير قدراتها لتعزيز نموّ طفلها، كما تعلّم أفراد الأسرة وتزوّدهم بإرشادات ومعلومات كاملة لرفع نسبه الوعي، وتطوير مهاراتهم المتعلّقة بعلاج الحالة، بهدف تمكينهم من اتّخاذ قرارات سليمة. هذا الأمر بالغ الأهميّة لأنّ الأطفال يعتمدون على أُسرهم لتلبية احتياجاتهم ومتطلّباتهم الحياتيّة اليوميّة، وكذلك يصبح الأهل واثقين من قدراتهم ومهاراتهم في التعامل مع أطفالهم ومساعدتهم بشكل علميّ وسليم على التطوّر والنمو في جميع النواحي: الحركيّة، الوظائفيّة، الإدراكيّة، التواصليّة، العاطفيّة، والاجتماعيّة. 

مميّزات التدخّل المُبكِر:

  • التشخيص المُبكِر للتأخّر، القصور، والإعاقة عند الأطفال.
  • وضع برنامج تأهيليّ وعلاجيّ مُبكر جدًّا حسب الحالة. 

بناءً على معظم الأبحاث العلميّة في المجال، تعتمد درجة التحسّن والتطوّر، بالمقام الأوّل، على التشخيص المُبكِر للإعاقة. بهذا الجانب تحديدًا، يعاني المجتمع العربيّ، للأسف، من مشاكلٍ كثيرةٍ جدًّا في عدة مجالات؛ مثلًا: نقص في مراكز تطوّر الطفل، نقص في عدد المُشخّصين/المعالجين، وجود لوائح انتظار.

تنوّع خبرات التقييم والتشخيص:

تقع على عاتق مجموعة من المُشخّصين مسؤوليّة تشخيص وتقييم مشكلات الأطفال ووضع خطّة علاجيّة لكلّ طفلٍ بناءً على قدراته، واحتياجاته في الجوانب الحركيّة، والوظيفيّة، والنفسيّة، والعاطفيّة، والاجتماعيّة، والتواصليّة، وذلك وفقًا للحالة والحاجة. بكلمات أخرى، ليست هناك حاجة لتدخّل مُشخّصين/معالجين من كلّ المجالات في كلّ الحالات.

تعزيز مشاركة الأطفال في بيئتهم الطبيعيّة:

هنالك أهميّة كبيرة لأن يُشارك الطفل في بيئته الطبيعيّة من خلال برامجه اليوميّة المُعتادة، بحيث يتمّ التعرّف على مهارات الاتّصال، والقدرة الحركيّة الوظيفيّة، كما اكتشاف مواطن قوّته وضعفه والتعامل معها وتقديم خطّة علاجيّة في البيئة الطبيعيّة التي من الممكن أن تكون داخل الحضانة أو المنزل.

تُمكّننا رؤية ومشاركة الطفل في بيئته الطبيعيّة من اكتشاف تفاعلاته مع بيئته وقدراته الخاصّة ومهاراته في الاتصال والتواصل مع محيطه.

شموليّة البرنامج:

يتميّز برنامج التدخّل المُبكِر لدى الأطفال بشموليّة الخدمات وتنسيق العمل بين التخصّصات المختلفة، بما في ذلك الأهل والحضانة، ممّا يؤدّي إلى شموليّة وتكامليّة الخدمات التي يحتاجها الطفل بشكلٍ مُبكِرٍ ومنظّمٍ، وبالتالي، تعزيز نتائج الخدمات المُبكِرة للأطفال وأُسرهم.

تتألّف التخصّصات المتعددة التي تندمج في مسار التدخّل المُبكِر من الأطبّاء المتخصّصين في الطفولة المُبكِرة، أخصائيي النطق واللغة والسمع، اخصائيّين نفسيّين تطوّرِيّين، معالجي العلاج الطبيعيّ والوظيفيّ، المتخصّصين في السلوك، معلّمي التربية الخاصّة، معلّمات الروضات، معلّمي المدارس، والأهل. 

عندما يعمل أعضاء الفريق متعدّد التخصّصات كفريقٍ متكاملٍ، فإنّ ذلك سيؤدّي حتمًا إلى تعزيز التعاون، وتسهيل التواصل، وتجنّب التكرار، ومشاركة الملاحظات، ومناقشة الاستراتيجيّات، والتعاون من أجل حلّ التحدّيات. بالتالي، يؤدّي هذا التكامل في العمل إلى نتائجٍ إيجابيّة وتحسّن في حالة الطفل. 

الفوائد الاقتصاديّة:

للاعتبارات الاقتصاديّة أهمّيّة كبرى، وخصوصًا على المدى البعيد، حيث إنّ عمليّة التدخّل المُبكِر الشموليّة تخفّف من تكاليف الخدمات العلاجيّة، والتربية الخاصّة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة. يُساعد التدخّل المُبكِر على الحدّ من تأثير الإعاقة والتخفيف من تَبِعاتها، ويُخفّف أيضًا من الحاجة إلى الحصول على خدمات تأهيليّة في المستقبل، ويُمكّن من دمج الأطفال في الحياة العمليّة والاجتماعيّة في المجتمع. في نهاية المطاف، يؤدّي التدخّل المُبكِر إلى تقليل عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى برامج التدخّل بشتّى مجالاتها، وذلك سيؤدي إلى تقليص التكاليف المتعلّقة بالعلاجات والأعباء المادّيّة للأهل بشكلٍ خاصّ، ولصناديق المرضى والوزارات بشكلٍ عامّ.

أخيرًا:

وجوب التدخّل المُبكِر في جيل 1-6 سنوات هو حاجة ضروريّة تعود بالفائدة على كلّ شرائح المجتمع. من المهمّ التركيز والتأكيد على أنّه كلّما كان التدخّل مبكرًا وشاملًا أكثر، كلّما كانت النتائج أفضل وإيجابيّة أكثر. من المهمّ أيضًا التأكيد على أنّ معالجة صعوبات التواصل واللغة مبكرًا تمنع المشاكل السلوكيّة، والتعليميّة المحتملة، كما تمنع مشاكل القراءة والتفاعل الاجتماعيّ.

من المهم ذكره أنّه في جيل ثلاث سنوات تكون معظم هياكل الدماغ الرئيسيّة ناضجة، ويصبح من الصعب إجراء تغييرات حاسمة في نموّ الطفل وتطوّره. تُسهم برامج التدخّل المُبكِر في توفير الموارد، والدعم، والمعلومات للوالديْن من أجل تعزيز مهارات التواصل لدى طفلهما. 

بناءً على ما ذُكر، آمل أن تتضافر الجهود لتقديم الرعاية والإجراءات التي تزيل العوائق للتدخّل المُبكِر، وتضمن وجود مؤسّسات واخصائيّين ومهنيّين بما في الكفاية لتقديم خدمات شاملة ولازمة خلال الفترة المحدّدة.

Scroll to Top